فصل: مسألة يصلي في السقائف وبينه وبين الإمام والصفوف فضاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يصلي في السقائف وبينه وبين الإمام والصفوف فضاء:

وسئل عن الذي يصلي في السقائف وبينه وبين الإمام والصفوف فضاء مثل ما يصيب الناس في مكة من الحر، قال: أما من خاف حر الشمس ولم يقو عليه فلا أرى به بأسا، والفضل في التقدم.
قال محمد بن رشد: استخف ترك تقدمه إلى الصفوف لضرورة حر الشمس، ولو فعل ذلك من غير ضرورة لجازت صلاته إن كان معه غيره باتفاق، وإن لم يكن معه غيره على اختلاف، وقد مضت العلة في ذلك في أول رسم شك في طوافه.

.مسألة الرجل يبطن خفيه بدم الطحال:

وسئل مالك عن الرجل يبطن خفيه بدم الطحال، قال لا أحبه، وكره أن يبطن به الخف. قال سحنون: فإن صلى بها لم تكن عليه إعادة.
قال محمد بن رشد: وهذا صحيح؛ لأن الطحال قد خرج عن أن يكون دما بقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والحوت والجراد»، فإنما الطحال طعام يكره أن يبطن به الخف لحرمته، كما يكره غسل اليد بشيء من الطعام.

.مسألة الرجل يكون في أرض خوف من اللصوص هل يجوز له أن يخفف صلاته:

وسئل مالك عن الرجل يكون في أرض خوف من اللصوص، هل يجوز له أن يخفف صلاته؟ قال رب تخفيف لا ينقص من الصلاة، فأما أن ينقص من صلاته فلا.
قال محمد بن رشد: الذي يباح له من التخفيف أن ينقص من طول القيام والركوع والسجود والجلوس، وأقل ما يجزئه من القيام قدر ما يقرأ فيه أم القرآن، ومن الركوع والسجود أن يتمكن راكعا وساجدا، ومن الجلوس مثل ذلك، فإن نقص من شيء من ذلك بطلت صلاته، وإن لم يزد على هذا القدر فترك التشهد وما سوى أم القرآن من القراءة كان قد أساء ولم تجب عليه إعادة الصلاة إن كان قد اعتدل في القيام من الركوع والرفع من السجود، وإن كان لم يعتدل في ذلك أعاد، وقيل يستغفر الله ولا يعيد، وبالله التوفيق.

.مسألة يترك الجمعة من دين عليه يخاف في ذلك غرماءه:

وقال مالك: لا أحب لأحد أن يترك الجمعة من دين عليه يخاف في ذلك غرماءه.
قال محمد بن رشد: معناه عندي إذا خشي إن ظفر به غرماؤه أن يبيعوا عليه ماله بالغا ما بلغ وينتصفوا منه ولا يؤخروه، وهو يرجو لتغيبه أن يتسع في بيع ماله إلى القدر الذي يجوز تأخيره إليه عند بعض العلماء.
وأما إن خشي أن يسجنه غرماؤه وهو عديم، فقال سحنون في كتاب ابنه: إنه لا عذر له في التخلف، وفي ذلك نظر؛ لأنه يعلم من باطن حاله ما لو تحقق لم يجب عليه سجن، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، فهو مظلوم في الباطن محكوم عليه بحق في الظاهر.
وأما إن خشي أن يعتدي عليه الحاكم فيسجنه في غير موضع سجن أو يضربه أو يخشى أن يقتل فله أن يصلي في بيته ظهرا أربعا ولا يخرج.

.مسألة الملاحف يكون فيها العلم من الحرير قدر الأصبع والأصبعين والثلاثة:

وسئل عن الملاحف يكون فيها العلم من الحرير قدر الأصبع والأصبعين والثلاثة، فكره ذلك وقال: لا أحب لباسها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تقدمت والقول فيها في آخر رسم شك، فلا فائدة في إعادة ذلك.

.مسألة الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك:

وسئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد، أيستحب ذلك؟ قال إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث في المسجد فلا أرى بأسا، وإن كان صغيرا لا يقر فيه ويعبث فلا أحب ذلك.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة مكشوف لا يفتقر إلى بيان، إذ لا إشكال في إباحة دخول الولد إلى المساجد، قال الله عز وجل: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران: 37]. وفي الحديث: «أن الناس كانوا إذا رأوا أول التمر جاؤوا به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا أخذه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بالبركة في التمر وللعام ثم يدعو أصغر ولد يراه فيعطيه إياه».
ومحمل أمره أنه كان في المسجد. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع بكاء الصبي في الصلاة فيتجوز في الصلاة مخافة أن تفتن أمه، وإلا فالكراهة في إدخالهم فيه إذا كانوا لا يقرون فيه ويعبثون؛ لأن المسجد ليس بموضع العبث واللعب، وبالله التوفيق.

.مسألة القراء الذين يقرؤون للناس:

وسئل عن القراء الذين يقرؤون للناس عندنا، فكرهه وعابه وقال: ما كان يعمل هذا على عهد عمر بن الخطاب، ولا أرى هذا صوابا، ولو كان يقرأ واحد ويثبت من قرأ عليه ويفتي لم أر به بأسا، فأما أن يقرأ ذا ويقرأ ذا فلا يعجبني. قال لي ابن القاسم: ثم خففه بعد ذلك وقال: لا بأس فيه، قال ابن القاسم: وهذا رأيي.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم سلعة سماها موفى فليس لإعادة ذلك معنى.

.مسألة الإمام يقيم اليوم واليومين حتى يجتمع إليه حشمه ثم يسير أيقصر الصلاة:

وسئل مالك عن أمير المدينة وخرج على مسيرة ثلاثة أميال من المدينة وهو يريد الإقامة به حتى يتكامل ظهره فيه ويأتي أكرياؤه بإبلهم ويجتمع إليه حشمه، أترى أن يقصر الصلاة؟ قال لا؛ لأن هذا لم يخرج يريد المسير، وإنما خرج ليقيم حتى تتكامل له حوائجه، فلا يقصر إلا من أجمع على المسير.
قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه المسألة إن الإمام يتم، وقال في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات بعد هذا في الذي يخرج من الفسطاط إلى بير عميرة وهو يقيم ثم اليوم واليومين مثل ما يصنع الأكرياء حتى يجتمع الناس ويفرغوا إنه يقصر الصلاة.
والفرق عندي بين المسألتين أن الأمير إنما خرج ليقيم حتى يجمع حشمه ويأتي أكرياؤه قرب ذلك أو بعد، وحينئذ يسير، فوجب أن لا يقصر، إذ لم يعزم على المسير قبل أربعة أيام.
ولو خرج على أن يقيم اليوم واليومين حتى يجتمع إليه حشمه ويأتي أكرياؤه ثم يسير لوجب أن يقصر كما قال في مسألة جب عميرة، إذ قد عزم على أن يسير قبل أربعة أيام. وقد كان بعض الشيوخ يفرق بينهما بأن الأمير لما كان لا يمكنه السفر إلا مع حشمه وقد لا يجتمع إليه حشمه، وجب أن يتم، ولما كان الخارج إلى جب عميرة يمكنه السفر وإن لم يجتمع الناس وجب أن يقصر، وليس هذا بصحيح، إذ المنفرد لا يمكنه السفر أيضا. ومنهم من كان يحمل المسألتين على التعارض ويرى ذلك اختلافا من القول، ويقول الأمير كان أحق بالقصر من المسافر لأنه قادر على أن يجبر حشمه على الخروج معه، ولا يقدر المسافر على إخراج الناس معه، وليس ذلك أيضا بصحيح، إذ المعنى إنما هو في عزمه على التحرك من المكان الذي تقدم إليه قبل أربعة أيام، لا على قدرته على جبر من يخرجه معه، بدليل أنه لو كان قادرا على أن يجبر من يخرج معه على الخروج بعد أربعة أيام من خروجه لوجب أن يتم ولم يصح له القصر، وإنما وجب أن يقصر إذا خرج على أن يتحرك من المكان الذي تقدم إليه مع من يجتمع من الأكرياء وإن كان لا يتأتى له السفر دونهم؛ لأن الغالب من أمرهم أنهم يخرجون إلى الميعاد الذي جرت عادتهم بالخروج إليه ولا يتأخرون عنه، وكون غلبة الظن كاليقين أصل في الشرع، وبالله التوفيق.

.مسألة أيحصب الرجل أحدا يوم الجمعة إذا تكلم والإمام يخطب:

قال: وقيل لمالك أيحصب الرجل أحدا يوم الجمعة إذا تكلم والإمام يخطب؟ قال لا، وليقبل على شأنه.
قال محمد بن رشد: قد روى مالك في موطاه عن نافع أن عبد الله بن عمر رأى رجلين يتحدثان والإمام يخطب يوم الجمعة، فحصبهما أن اصمتا، فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله تعالى.

.مسألة التكبير في العيدين قرب الصلاة أيكبر بالطريق وفي قعوده:

وسئل مالك عن التكبير في العيدين يغدو الرجل قبل الفجر أو بالغلس قرب الصلاة، أيكبر بالطريق وفي قعوده؟ قال مالك ليس يكون التكبير إلا قرب طلوع الشمس في الإسفار البين الذي يكون عند طلوعها، فيكبر الرجل تلك الساعة وفي المصلى حتى يخرج الإمام، فقيل له: التكبير في العيدين جميعا؟ قال: نعم. قال سحنون: أخبرني علي بن زياد أنه لا تكبير إلا على من غدا بعد طلوع الشمس، وهي السنة، وقاله سعيد بن المسيب.
قال محمد بن رشد: الأصل في التكبير في الغدو إلى صلاة عيد الأضحى تكبير الحاج عند رمي جمرة العقبة، فهو الذي يتحرى، ولذلك قال مالك في رواية علي بن زياد عنه إنه لا تكبير إلا على من غدا بعد طلوع الشمس؛ لأنه وقت الاختيار في الرمي.
ومن أهل العلم من يرى أن الرمي لا يجزئ قبل طلوع الشمس، ورأى في رواية ابن القاسم عنه التكبير إذا غدا قرب طلوع الشمس أولى من تركه، لقرب ما بين الوقتين، ولجواز الرمي في ذلك الوقت عنده، وإن كان الاختيار أن يكون بعد طلوع الشمس.
والتكبير عند الغدو إلى صلاة عيد الفطر محمول على ذلك عند جميع من يرى التكبير من العلماء، وهم الجمهور، لقوله عز وجل: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فيكبر عند مالك في العيدين إذا غدا إلى المصلى، وفي المصلى حتى يخرج الإمام. فيكبر بتكبيره وقد قيل إنه يكبر في الطريق ولا يكبر في المصلى، وإلى هذا ذهب الطحاوي لأنه حكى عن ابن عمر وأبي قتادة أنهما كانا يكبران في غدوهما إلى المصلى حتى يأتيا المصلى، وحكي عن شعبة مولى ابن عباس قال. كنت أقود ابن عباس إلى المصلى فيسمع الناس يكبرون فيقول: ما. شأن الناس أكبر الإمام؟ فأقول لا، فيقول أمجانين الناس؟ قال فيحمل إنكار ابن عباس التكبير على التكبير في المصلى حتى لا يختلف ما روي في ذلك عن الصحابة. قال: وقد روي عن إبراهيم النخعي أنه أنكر التكبير يوم الفطر وقال إنما يفعله الحواكون، قال وما رويناه عن سواه أولى.

.مسألة الرجل يكون في الصلاة فيحول خاتمه في أصابعه أصبع أصبع للركوع في سهوه:

ومن كتاب طلق بن حبيب:
وسئل عن الرجل يكون في الصلاة فيحول خاتمه في أصابعه أصبع أصبع للركوع في سهوه، قال لا بأس بذلك وليس عليه فيه سهو، وإنما ذلك بمنزلة الذي يحسب بأصابعه لركوعه.
قال محمد بن رشد: هذا نحو ما تقدم له في أول رسم شك في الذي يحصي الآي بيديه في صلاته، فأجاز ذلك وإن كان الشغل اليسير مكروها في الصلاة؛ لأنه إنما قصد به إصلاح صلاته. وقوله إنه ليس عليه فيه سهو، يريد أنه لا سجود عليه فيه صحيح لأنه لم يفعل ذلك ساهيا، ولو فعله ساهيا مثل أن ينسى أنه في صلاة، لتخرج إيجاب السجود عليه لذلك على قولين.

.مسألة الإمام يطيل القعود في اثنتين فسبح به أصحابه فقام أترى عليه سجود سهو:

وسئل مالك عن الإمام إذا طول القعود في اثنتين فسبح به أصحابه فقام، أترى عليه سجود سهو؟ قال لا. قال سحنون: إن طول القعود جدا حتى يخرجها عن حدها ينبغي أن يسجد.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هو الصواب؛ لأن تقصير الجلسة الوسطى من مستحبات الصلاة لا من سننها، ولا يجب السجود إلا في نقصان السنن لا في نقصان الاستحباب. وكذلك يقول ابن القاسم أيضا: إنه لا سجود عليه إذا أطال القيام بعد الركوع أو الجلوس بين السجدتين، مثل أن يشك في شيء من صلاته فيثبت على حاله متفكرا فيما شك فيه حتى يذكر، قاله في سماع موسى، وأشعب يرى عليه في هذا السجود، بخلاف إذا كان ثبوته للتذكر في موضع شرع تطويله في الصلاة، فهو قول ثالث في المسألة أصح من قول ابن القاسم ومن قول سحنون؛ لأن ترك تطويل القيام بعد الركوع وفيما بين السجدتين من السنن لا من الاستحباب.

.مسألة الرجل يتنفل ويقول أخاف أن أكون ضيعت في حداثتي:

وسئل مالك عن الرجل يتنفل ويقول: أخاف أن أكون ضيعت في حداثتي فأنا أجعل هذا قضاء لتلك إن كنت فرطت، قال ما سمعت أحدا من أهل الفضل فعل هذا، وما هو من عمل الناس. قال محمد بن رشد: وجه هذا السؤال ما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن أتمها وإلا قيل أنظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك»، وهذا معناه والله أعلم فيمن سها عن فريضة ثم ذكرها فكان عليه أن يصليها ثم نسيها ولم يذكرها إلى أن مات، وأما من نسيها ولم يذكرها أصلا إلى أن توفي فلا يحاسب بها لقول النبي، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ» الحديث، وأما من تركها عمدا أو نسيها ثم ذكرها فلم يصلها فلا تجزئه النافلة عنها؛ لأن الأعمال بالنيات، ولا تجزئ نافلة عن فريضة. وكذلك إذا شك في أن يكون ضيع شيئا من صلواته لا تجعل نافلته قضاء مما شك فيه، بل ينبغي له أن يصلي بنية القضاء حتي يوقن أنه قد صلى أكثر مما ضيع، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يصلي فيما بين الأسطوانتين وبينه وبين سترته قدر مصلى صفين:

وسئل مالك عن الرجل يصلي فيما بين الأسطوانتين، فيكون مقعده مستقبل القبلة، فيصلي في مجلسه وبينه وبين سترته قدر مصلى صفين، قال ليس ذلك بصواب أن يصلي كذلك. قال والعلماء مختلفون، فمنهم من يقوى على أن يعظ الناس ومنهم من لا يقوى على ذلك، وذكر ذلك في موعظة الذين يصلون إلى غير سترة أواجب هو؟ قال لا أدري ما واجب، ولكنه حسن.
قال محمد بن رشد: زيادته في الجواب قال: والعلماء مختلفون إلى آخر قوله، يدل على أنه سقط من السؤال ما تفتقر إليه هذه الزيادة، وأراه قال في سؤاله كما يفعل الناس فلا ينكر العلماء عليهم.
وقوله إن موعظة الذي يصلي إلى غير سترة حسن وليس بواجب صحيح؛ لأن وعظ من ترك الواجب واجب، ووعظ من ترك المستحب حسن، والصلاة إلى السترة من مستحبات الصلاة ليس من واجباتها.

.مسألة الرجل يصلي مع الإمام في رمضان الوتر فيوتر معه ثم يريد أن يصلي:

وسئل مالك عن الرجل يصلي مع الإمام في رمضان الوتر فيوتر معه، فيريد أن يصلي وتره بركعة أخرى ويوتر هو بعد ذلك، قال لا، ولكن يسلم معه ويقوم فيصلي بعد ذلك لنفسه ما أحب، قال: قال لي مالك قبل ذلك: ويتأنى قليلا أعجب إلي.
قال محمد بن رشد.: وجه كراهيته للداخل مع الإمام في الوتر أن يشفع وتره، يريد وقد صلى بعد العتمة أشفاعا يوترها له هذا الوتر، قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه». وإذا لم يسلم بسلامه وشفع وتره فقد خالفه في أن ائتم به في شفع وهو في وتر.
وأما لو أوتر مع الإمام بعد أن صلى العتمة قبل أن يصلي نافلة لشفع وتره كما قال في المدونة: إذا أوتر معه قبل أن يصلي العتمة. ومن أهل العلم من يقول: إن الوتر لا يكون إلا في آخر ما يصلى من النوافل، وأن من صلى نافلة بعد أن أوتر انتقض وتره وأوتر مرة أخرى، ومنهم من يقول: إذا أوتر أول الليل بعد أن صلى نافلة ثم أراد أن يصلي آخر الليل يشفع وتره بركعة ثم يصلي ما شاء ويوتره مرة أخرى، وهذا القول مشهور في السلف ويسمونه مسألة نقض الوتر، ولهذا الاختلاف وقع هذا السؤال هاهنا. وأما استحبابه إذا سلم معه أن يتأنى قليلا قبل أن يصلي فهو مثل ماله في المدونة، ووجهه مراعاة ما روي من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر من صلى أن لا يتنفل حتى يتقدم أو يتكلم»، وبالله التوفيق.

.مسألة الرقيق العجم يريدون أن يطعموا ويعلموا الإسلام والصلاة:

وسئل مالك عن الرقيق العجم يشترون في رمضان وهم مقيمون في بلد فيريدون أن يطعموا ويعلموا الإسلام والصلاة، فيجيبوا إلى أن يصلوا كما يعلمون ويريدون الأكل فيخبرون بذلك ولا يفقهون ما يراد به منهم، أترى أن يجبروا على ذلك أم يطعموا؟ قال أرى أن يطعموا ولا يمنعوا الطعام ويرفق بهم حتى يعلموا ويعرفوا الإسلام.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأنهم إذا لم يفقهوا معنى ما يراد منهم فلا معنى لتجويعهم، إذ لا فائدة لصيامهم بغير نية، ولا تصح النية إلا ممن يفقه معناها.

.مسألة حكم جعل المقصورة في المسجد:

قال مالك: إن أول من جعل المقصورة مروان بن الحكم حين طعنه اليماني، قال فجعل مقصورة من طين وجعل فيها تشبيكا.
قال محمد بن رشد: وجه قوله الإعلام بأن المقصورة محدثة لم تكن على عهد النبي ولا عهد الخلفاء بعده، وإنما أحدثها الأمراء للخوف على أنفسهم، فاتخاذها في الجوامع مكروه، فإن كانت ممنوعة تفتح أحيانا وتغلق أحيانا فالصف الأول هو الخارج عنها اللاصق بها، وإن كانت مباحة غير ممنوعة فالصف الأول هو اللاصق بجدار القبلة في داخلها.
روي عن مالك ذلك. وقوله جعل فيها تشبيكا يريد تخريما يرى منه ركوع الناس فيها وسجودهم للاقتداء بهم.

.مسألة الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد أيركع ركعتين نافلة:

وسئل مالك عن الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد فيقعد مع الإمام بتكبيرة فيتشهد ثم يسلم الإمام، أيركع ركعتين نافلة؟ أو يقوم يصلي أربعا؟ قال لم يتنفل استنكارا لذلك، ثم قال بل يصلي أربعا كما هو إذا سلم الإمام. قال مالك: وأحب إلي أن يبتدئ بتكبيرة أخرى، ولو صلى بذلك التكبير أجزأ عنه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها؛ لأنه إذا أدرك الإمام في التشهد فإنه يحرم على أن يصلي أربعا؛ لأنه قد علم أن الجمعة قد فاتته، واستحبابه أن يبتدئ بتكبيرة أخرى هو مثل استحبابه في المدونة لمن دخل مع الإمام في التشهد الأخير أن يقوم بتكبير، وخلاف أصله فيمن أدرك من صلاة الإمام ركعة أو فاتته منها ركعة في غير المغرب أنه يقوم بغير تكبير.
ومن الناس من ذهب إلى أن يفرق بين الموضعين، وليس بصحيح. وأما مسألة الاختلاف لو أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فأحرم معه وهو يظن أنه في الركعة الأولى فإذا هو في الركعة الثانية، فقال مالك في كتاب ابن المواز: إنه يبني على إحرامه مع الإمام أربعا، واستحب أن يجدد إحراما آخر بعد سلام الإمام من غير أن يقطع. ويأتي على قول أشهب في أول سماع سحنون على رواية ابن وهب عن مالك في الذي يرعف يوم الجمعة قبل عقد ركعة أنه لا يبني على الإحرام، بخلاف من رعف في غير الجمعة قبل عقد ركعة أنه لا يبني على إحرامه في هذه المسألة؛ لأنه أحرم بنية الجمعة ركعتين.

.مسألة الرجل يدعو في الصلاة فيقول يا لله يا رحمان:

وسئل عن الرجل يدعو في الصلاة فيقول: يا لله يا رحمان، قال: يقول يا رحمان، ثم قال واللهم أبين عندي. فقيل له: يدعو بما دعت به الأنبياء؟ قال نعم، في كتاب الله تبارك وتعالى اللهم. قال محمد بن رشد: قوله واللهم أبين عندي أي أحب إلي، لا أن إجازة الدعاء بيا رحمان غير بين، إذ لا اختلاف بين المسلمين أن الرحمن اسم من أسماء الله تعالى المختصة به.

.مسألة الفرجة يراها الرجل وأمامه صف أيشقه إليها:

وسئل مالك عن الفرجة يراها الرجل وأمامه صف، أيشقه إليها؟ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا جائز لا بأس به كما قال، لما جاء من الترغيب في سد الفرج.

.مسألة الرجل يقطع اللحم النيء فتقام الصلاة أيصلي قبل أن يغسل يديه:

وسئل مالك عن الرجل يقطع اللحم النيء فتقام الصلاة، أترى أن يصلي قبل أن يغسل يديه؟ قال ليغسل يديه قبل أن يصلي أحب إلي.
قال محمد بن رشد: ما استحب مالك من غسل يديه قبل الصلاة من اللحم النيء كما استحبه لأن المروة- والنظافة مما شرع في الدين، وقد استحب في المدونة أن يتمضمض من اللبن واللحم، ويغسل الغمد إذا أراد الصلاة، فكيف باللحم النيء.

.مسألة أفيقرأ المسافر في الظهر بسبح والمطففين:

قال مالك: وقد كان ابن حزم يطيل القراءة في الظهر، فقيل له قدر كم؟ فقال: الكهف وما أشبهها، فقيل أفيقرأ المسافر بسبح وويل للمطففين، فإن الأكرياء يسرعون بهم؟ قال: لا بأس بذلك، فقيل له فإذا زلزلت وما أشبهها؟ قال هذه قصار جدا، كأنه يقول: لا.
فقال أصبغ: سألت ابن القاسم عن إمام مسجد عشيرة وما أشبهه يقرأ بقل هو الله أحد وما أشبهها في صلاة الصبح، قال الصلاة تامة. قال سحنون: وقد أخبرني ابن وهب «عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ما من القرآن شيء إلا وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤم بالناس به»، فلذلك رأيت أن يجزئ.
قال محمد بن رشد: التطويل في قراءة الصبح والظهر مستحب غير واجب، وهما سيان فيما يستحب فيهما من التطويل. ألا ترى أنه استخف في المدونة للمسافر في الصبح من التخفيف القدر الذي استخفه له هاهنا في الظهر.
ويستحب أن تكون الركعة الأولى أطول قراءة من الثانية في الصبح والظهر، لما جاء من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطيل أول ركعة من الظهر وأول ركعة من الغداة»، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى الاختيار في الظهر دون الصبح أن تكون الركعتان الأوليان متساويتين في القراءة، كما أن الركعتين الآخرتين متساويتان في القراءة. ويستحب أن لا يقرأ في الصبح والظهر في مساجد الجماعات بدون طوال سور المفصل، ويقرأ في المغرب بقصارها، وفي العشاء الآخرة بوسطها.
واختلف في العصر فقيل هي والمغرب سيان في قدر القراءة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وقيل إنها والعشاء الآخرة سيان فيما يستحب فيهما من قدر القراءة. واختلف في حد المفصل فقيل إنه من الحجرات، وقيل إنه من سورة {ق}، وقيل إنه من سورة الرحمن، روي ذلك عن ابن مسعود، والصحيح قول من قال إنه من سورة {ق}؛ لأن سورة الحجرات مدنية، والمفصل مكي.
روي عن ابن مسعود أنه قال: أنزل الله على رسوله المفصل بمكة فكنا حججا نقرأ ولا ينزل غيره.
ومن الدليل على ذلك ما روي عن أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كنتم تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة، وفي بعض الآثار كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحزب القرآن فذكر نحوه؛ لأن القرآن يأتي على هذا سبعة أحزاب بعدد الأيام، المفصل منها حزب من أول سورة {ق}؛ ولأن الستة الأحزاب تتم إذا عدت السور بسورة الحجرات، ويحتمل أن تكون سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود بعد سورة الحجرات، فلذلك قال فيها إنها أول المفصل والله أعلم. وأما جواز صلاة من لم يقرأ في الصبح إلا بقل هو الله أحد فهو إجماع.
ومن الدليل على ذلك قول الله عز وجل: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]. وقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خراج». وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي استدل به فلا دليل فيه، إذ ليس فيه أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤم الناس في الصبح بقل هو الله أحد، فالذي يحمل عليه أنه إنما سمعه يؤم الناس بها في المغرب، والله أعلم.

.مسألة الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه:

وسمعت مالكا يقول: إن أول من أحدث الاعتماد في الصلاة حتى لا يحرك رجليه رجل قد عرف وسمي إلا أني لا أحب أن أذكره، وقد كان مسمتا، فقيل له: أفعيب ذلك عليه؟ قال: قد قال سحنون: عيب ذلك عليه، وهذا مكروه من الفعل.
قال محمد بن رشد: قال سحنون: الرجل المسمت هو عباد بن كثير، ويروى مسبئا أي يسبأ الثناء عليه، فجائز عند مالك أن يروح الرجل قدميه في الصلاة، قاله في المدونة، وإنما كره أن يقرنهما حتى لا يعتمد على أحدهما دون الآخر؛ لأن ذلك ليس من حدود الصلاة، إذ لم يأت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من السلف والصحابة المرضيين الكرام، وكان من محدثات الأمور.
وأما الاعتماد على اليدين عند القيام من الجلسة الوسطى فمرة استحبه مالك وكره تركه، ومرة استحبه وخفف تركه، ومرة خير فيه، وسيأتي القول على هذا في رسم باع غلاما، وبالله التوفيق.